انه ينتظر كل يوم منذ أربعين عاما أن تأتى حبيبته ؛ فلقد قالت يوم ودعته انها ستأتى
فى يوم من الأيام وإن عليه أن ينتظرها ؛لقد توقع فى البداية غيابها عام ؛اثنان خمسة بل
عشرة ولكن العشرة أصبحت عشرين ثم ثلاثين ثم أربعين ؛أربعين عام وهو ينتظرها كل
يوم فى نفس الميعاد؛إنه راهب فى محراب حبها؛رفض كل محاولات تزويجه وبدا وكإنه
مستمتع بعذابه؛كل يوم يذهب الى الشجرة فى الساعة الخامسة وينتظر ساعة لعلها تأتى ؛
كل يوم كان لديه أمل ان يراها ؛ أن يلمح حتى طيف طيفها ولكنها أبداً لم تظهر ؛كم ناداها
من جوف قلبه ولكنها قط لم تلبى النداء ؛لو رأى أحد منزله لظنه مجنون فاسمها مكتوب على
كل شىء فى المنزل ؛ إنه يظل يتحدث فى الهاتف بالساعات وكأنها تحادثه ولكن الحقيقة المرة
أنه يخاطب نفسه العشقة ؛ كم مرة تخيل انها زوجته؛ وعندما
يأكل يأتى بطبق وملعقة إضافية ويظن أنه يأكل معها؛ فى كل يوم يقرأ مسرحية مجنون ليلى
يظل يبكى ويضحك ؛ أصدقائه هاجروه واحدا تلو الآخر؛ إلا صديق وفى كان هو الذى يزوره
ويعينه على حياته حتى مات هذا الصديق؛ فساءت حالته ؛ الغريب عدم وضعه قط احتمال موتها
أو زواجها فى ذهنه؛ كان يشعر إنها ستأتى؛يحتفل بعيد ميلادها سنويا ؛ ويحتفل بعيد الحب مرتين
فى العام فيأتى بثلاثة هدايا ؛ الحجرة ممتلئة بمائة و عشرين هدية حصاد أربعون عاما واليوم اكتمل
العام الاربعون ولأول مرة يشعر باليأس ؛لأول مرة يشعر بضياع العمر ؛ لقد بكى كما لم يبكِ فى حياته
وقال وداعا وذهب الى بيته وهو فى حالة مزرية ؛ لقد ظل يسمع الأغانى الحزينة هان الود ؛ ضى القناديل
وساءت حالته وعلم انه شارف على الذهاب إلى الآخرة فتذكر الله ؛ انه لم يصل فى حياته توضأ وصلى
ركعتين ؛ ثم قام مسرعاَ إلى مكانه المعتاد ؛ لم يستطع أن يمنع نفسه من الذهاب ؛ ولكنه صعق فقد وجدهم
يزيلوا الشجرة ؛ شجرة حبه ؛ الشجرة التى يستخرج أوكسجينه منها ؛ فجرى كالمجنون ولكن تصدى له الأمن
سيبنون مولاَ ؛ والشجرة كبيرة وتعيق الأرض ؛ أنهم هدموا الشجرة التى ظلت شامخة أربعين عاماَ ؛ وكان
يستمد أمله منها ؛ كان يتسلح بكبريائه منها ؛ كان يتمسك بالحياة بسببها ؛ والآن زال كل شىء ؛ ضاعت الحياة هدراَ ؛ وفى طريقه الى المنزل بكا وهو يردد فى صوت منحوب :-
كل شىء راح وإنقض
واللى بنا خلاص مضى
بس وحيات اللى فات
واللى أصبح ذكريات
عمرى ما اتمنيت فى الدنيا
غيرك أنت يا حبيبى
وجلس يكتب قصته وعلى رغم من طول عمره إلا أنه كتبها فى بضعة صفحات ؛ ومرت ذكريات معها سريعا ونظر إلى صورتها ثم إلى السقف وإنتقل إلى رحاب الله تعالى ؛ مات ولم يعرف أحد ؛
وبعدها بيوم جاءت فتاة تدق الباب ؛ إنها جاءت إليه بعد وفاة أمها بيوم – حبيبته – لقد أوصتها أمها أن تذهب إلي الشجرة فى نفس الميعاد وستجده هناك وأن تخبره أنها ظلت تحبه إلى الابد ولكنها تزوجت وانجبت رغما عنها ولم تستطع أن تأتى إليه وتكلمه لأن حبها له طاهر، وهى لا تريد أن توسخه ؛ كانت تأتى وتراه من بعيد وتبكى على حاله و حالها ؛ كانت تنظر إليه الى مكان ما تنظر عيناه ؛ وتنظر إلى نقس النقطة يكفيهما أن ينظرا إلى مكان واحد؛هذه النقطة شاهدة على حبهم الأسطورى ؛ وعندما حانت لحظة الموت صارحت ابنتها ورجتها أن تذهب اليوم وتخبره ؛ وعندما ذهبت البنت وجدته قد مات ؛فى نفس يوم وفاة أمها : وبكت البنت طويلا ؛ بكت لعذاب أمها وبكت لإخلاص هذا الرجل ؛وفى سرها قالت إنه اعظم رجل فى الوجود وأخذت قصته وبحثت فى دفاتره ؛ ستنشر قصته وتنقل اشعاره – التى كتبها – فى دواوين كى يعلم الناس قصته؛ قصة أعظم عاشق فى الوجود؛ وقالت بصوت خافت وهى تمسح دمعة تسللت من عينها وهى واقفة أمام قبره ؛ حقا إنك أعظم عاشق فى الوجود ؛ ووضعت وردة وانصرفت