--------------------------------------------------------------------------------
في أحد البساتين الجميلة، وذات ربيع زاهر امتلأ بعبق الرياحين،
كانت هناك شجرة ورد جوري أحمر،
وكانت كأبهى وأحلى ما يكون الورد. .
قالت الوردة الكبيرة لصاحباتها
هيه يا صويحباتي. . قد آن الآوان! . . . ولعل صاحب البستان سيأتينا الآن
إبتسمت وردة حمراء شابة في جذل وقالت
كم أتمنى أن أهدى لعروس شابة !
بدت نظرات خبيثة وابتسامات ماكرة على شفاه الورود، وقالت إحداهن
أما أنا. . فأملي أن أزين أكبر باقة ورد تهدى إلى تلك العروس !
غرقت الوردات في ضحك طويل. . . وفي أسفل الشجرة. .
كانت وردة صغيرة قد بدأت أوراقها تتفتح للتو،
تستمع في غيظ شديد لحوار الوردات الكبيرات. .
وقالت لنفسها
يا لهن من مغرورات! . . . . ترى ما الذي يميزهن عني!؟ . . .
إنهن لسن بشبابي وبهائي ونضارة لوني! .
فأنا لا أزال شابة نضرة براقة اللون، زكية الرائحة! . .
أما هن. . فتحلم إحداهن أن تكون بنصف ما أنا عليه من جمال! . . . ولكن
هل سأبقى صامتة طويلاً وأنا أسمع منهن هذا الكلام! . . .
ليتك تأتي أيها البستاني لترى غوايتي! . .
بل ليت أحداً يمر بنا فأعلم هؤلاء المغرورات من أنا. . ومن أكون
أفاقت الوردة الصغيرة من تأملاتها
على صوت الوردة الكبيرة وهي تقول
سوف نشتاق لكن أيتها الصغيرات
كان وقتاً ممتعاً هذا الذي قضيناه بينكن
لم تشعر الوردة الصغير بنفسها حين صاحت غاضبة فور سماعها هذه الكلمات
أتسخرين منا!؟
ماذا تظنين نفسك؟ هه؟ غداً ترين ما أفعل
لأفتنن البستاني بي فتوناً ولأجعلنه يأخذني قبلكن جميعاً
ساد الوجوم فجأة في المكان. . . مرت لحظات من الصمت والترقب.
الجميع ينتظر الوردة الكبيرة وما ستقول. .
وجاء صوتها أخيراً خافتاً يحمل نبرة إندهاش واضح،
وخرجت كلماتها ببطء
- أسخر منكن! . . . أنا!؟ ولم! . . . كلا يا صغيرتي الغالية! . .
- كفي عن نعتي بالصغيرة
أم أنك لا تبصرين تفتح أوراقي ونضارة لوني، وشبابي الفتان!؟
كلا كلا يا عزيزتي! أنا لا أقصد ذلك أبداًَ. . . ولكنك لا تزالين صغيرة
بالفعل! . .
والحياة لا تزال أمامك طويلة
أنا لا أختلف عنكن! وسأمضي مثلكن إلى حيث ستذهبن! لن تنعمن بالمتعة
والسعادة
! وحدكن وتتركنني هنا في هذا المكان
هنا جاء رد الوردة الكبيرة في شيء من الحزم الحاني
- حبيبتي! . . . ما بالك اليوم! . . إنها طبيعة حياتنا أيتها الصغيرة . . .
نحن بهجة البساتين. . . وأنس الناظرين، وراحة قلوب المكلومين. .
لنا دور خلقنا لأجله. . . ولابد لهذا الدور أن يمضي كما اعتاد أن يمضي منذ
الأزل! . . . فجأة. . . علا صوت خطوات تقترب من بعيد. . . وتهامست
الورود بمشاعر مختلطة من البهجة والقلق والترقب
إنه البستاني! إنه البستاني! . .
ساد الصمت التام. . . من بعيد كان هناك شاب يقترب من المكان بحذر. .
لمحته الوردة الكبير ة. . . همست في قلق لصاحباتها
هذا ليس البستاني! .
إنه لص على ما يبدوا! . . . احتجبن أيتها الوردات! . . . حذار أن يرى منكن
هذا الوغد ما قد يسيل لعابه! .
دق قلب الوردة الصغيرة بعنف
وهي ترى صاحباتها يسرعن بلملمة الأوراق التي حولهن ليختفين قدر الإمكان من
هذا المتلصص. .
فكرت وقالت في سرها
هه! أحتجب!؟ . . . هذه فرصتي! . . . فليكن أيتها الوردات! . .
سأترك لكن البستاني العجوز وأرحل اليوم! . .
كم سئمت هذا المكان وهذه العنجهية والأوامر! . .
أنا لم أعد صغيرة! . . لم أعد صغيرة! . . .
راح الشاب يراقب الوردات ويتأملها ملىء عينيه. .
وأخذت الوردة الصغيرة تمد رأسها إلى أعلى ما يكون. . .
وتحاول أن تبدو بأزهى حلة وأبهى لون وأجمل عطر. .
راحت تتألق تحت أشعة الشمس في فتنة وبهاء. .
لفتت الوردة الصغيرة نظر الشاب بحركاتها ونضارتها. . . إقترب منها. . لمسها
بيده. . .
تمايلت في جذل. . . إقترب أكثر ليشم عطرها. . . . شعرت الوردة بنشوة انتصار
. وقشعريرة غريبة تسري في أوصالها لثوان معدودة. . . فتنته بأجمل العطور . .
. . أعجبته. . . . و. . . وعلى الفور. .
أخرج الشاب سكينه الحاد. . . . وهوى به على ساقها النضرة. . .
فقطعها بضربة واحدة. . . . تلقتها الوردة كأكثر من ألف صفعة على وجهها.
شعرت فجأة أنها تهوي في الفراغ إلى لا مكان. . . ألم شديد راح يسري في
عروقها
لينسيها إلى الأبد نشوة انتصارها. . . لم تكن الوردة المسكنية تتوقع هذا .
الألم الشديد. . .
خفتت نضارتها. . . ذبل لونها. . . . شحب وجهها. . . قربها الشاب إلى أنفه
بعد أن قطعها. . . شمها ثانية بعميق وهو مسبل العينين. . . وما أن فتح !
عينيه، حتى تراءت له وردة أخرى أكبر أمامه. . .
قال في نفسه: يالي من أحمق . هذه تبدو أجمل وأنضر! . .
ألقى الشاب بالوردة الصغيرة أرضاً. . . . وذهب إلى الوردة التالية. .
وقفت الوردات تراقبن المشهد في ذهول عميق! . . . وسمعن صاحبتهن تخرج
كلماتها
. ضعيفة مكسورة: ماذا فعلت! ماذا فعلت! . .
قالت الوردة الكبيرة بأسى : لقد قلت لك أيتها الصغيرة. . . . نحن وجدنا
زينة وبهجة في هذا ا لكون . . . ولكن. .
. لكل شيىء أوانه، ومن تعجل الشيىء قبل أوانه. . ! عوقب بحرمانه. . . يالك
من مسكينة! يالك من مسكينة
من بعيد علا صوت غاضب
أنت! ماذا تفعل هناك؟
على الفور، ولى ذلك الشاب هارباً ليدوس بقدمه الوردة الصغيرة الملقاة على
الأرض فيحطمها. .
كان هذا صوت البستاني الذي جاء مسرعاً بعدما لاحظ ذلك اللص، واقترب ليرى
الفاجعة. .
هاله مرآى وردته الحبيبة الذبلى. أمسكها بيده كأب حنون. . . وراح يناجيها
. أيتها المسكينة! . . .
. ذلك الوغد! . . ماذا فعل بك.؟ .
كيف لهذا التافه أن يعرف قيمتك وهو لم يفلح أرضك. . . أو يروي عطشك،
أو يطرد عنك الديدان والأوبئة! . . . هيه أيتها الصغيرة. . . كم كنت جميلة .
بهية. .
كنت سأضعك تاجاً على رأس ابنتي في زفافها. . . ياللخسارة. .
وضع الوردة برفق أسفل الشجرة. . . والتفت إلى ورداته الأخريات. .
- حسناً يا ورداتي. . . من منكن ستأتي مع البستاني الطيب اليوم.؟ .
ومنذ ذلك اليوم، تناقل البستان قصة وردة صغيرة جريئة، كانت أمامها حياة
طويلة جميلة،
لكنها أبت إلا أن تتمرد. . . وغرتها فتنتها وذكاؤها فلم تستمع لأحد. .
ابتذلت نفسها وقدمت نفسها بضاعة رخيصة لمن لا يقدر قيمتها. .
وانتهى بها الحال
. وردة ذبلى ملقاة على قارعة الطريق. . . تدوسها الأقدام. . . وتلوكها
الألسن
الغريب أنه لا تزال هناك في ذلك البستان وردات صغيرات لم يعتبرن بما حدث
لتلك الوردة الحمقاء،
وكلهن يقلن: نحن نختلف! نحن لسنا كتلك الحمقاء المتسرعة